
إن الصمت والتّواري أمام المصائب أدب، فللمآسي حين حدوثها مهابةٌ تُخرِس.
وحدها عبارة “لا حول ولا قوة إلاّ بالله” وجدت طريقها في استحياءِ ضعيفِ القوةِ وقليل الحيلةِ والصّاغر للقضاء الذي لا يملك له دفعا، لِتَقَعَ على ألسنة أغلبنا ممن نجا ممّا ألمّ بالبلاد والعباد. تتعزّى بها النفس وتربِتُ على صدر المكلومين لتربِط على عقولٍ، لولاها، لضجّت وطارت.
يعتقد الواحد منا أنه في مأمن مما ألم بغيره إلى أن يصبح هو ذلك الآخر، ليسأل ذاهلا: لماذا أنا؟
يحاول بسؤاله/اعتراضه أن يبحث عن معنى ما بين الركام وأهواله. يسأل عن ذنب هؤلاء الذين تركوا كُرّاساتهم الصغيرة عليها أحلامهم عن حيوات قادمة ممكنة شاهدةً أنهم مروا حقا ذات يوم من هنا؟ وعن جريرةِ من صلّى العشاء وغَفَا، فباغته سقفٌ رفعه بيديه وجَيّره ليكون قبره في الدنيا وسِترا لعَوْرَتِه منها وفيها؟ وفيما بَغَى ذلك الذي استغنى في أعالي الجبال عن دنياه بقليلها، فضاق به ذاك القليل؟
بعد أن انقشع الغبار وبان ما تحته من ألم، وبينما الناس في هرج ومرج كلٌّ يبغي مدّ يد العون بما استطاع إليه سبيلا، انبرى بعض غِلاظ القلوب المكبلين بجهل عصيّ مركب يفترون همسا أو جهرا، على الملأ أو داخل مجالسهم المغلقة، على أهل الأرض والسماء، وينتهكون حُرمات الضحايا والناجين بترديد نظرياتهم التي لا ترى عظمة الخالق، ولله المثل الأعلى، إلاّ في بطشه. هذه القراءة القرنوسطية للحياة والتي تجد معنى الأشياء في قوالب الماضي الجاهزة وقصصه الرمزية تُفسر بها كل شيء وأي شيء، لتمنح لنفسها المختالة إحساسا بالاطمئنان والسلامة، هي أذًى مضاعف وقد يرتقي، والأصح ينحدر، بعضها إلى درجة الإجرام البيّن شأنها شأن اللصوص الذين سولت لهم أنفسهم الاستيلاء على المُؤن والمساعدات المتجهة إلى المناطق المنكوبة، وفي هذا ضِعَة ما بعدها ضِعة.
لقد حَدَثَ مُحتملُ الحدوثِ بحُكم قوانين فيزياء الأرض على حِينِ غرة. حدثَ هُنا لا هناك. حدث لنا لا للآخرين. لا لذنب ارتكبه أحد، ولكن لأنها الحياة وضعها الخالق وِفق قوانين لا تستثني ولا تميز. في دِقتها وفي لطفه، تتجلى عظمته.
قد يجد السؤال الذي يبدو ضربا من العبث: “لماذا أنا؟” جوابا له فيما سيليه، فالمعنى يكون غالبا لاحقا على الفعل، والإنسان صاحب الاثنين. ربما تكون الكُرّاسات الصغيرة، والأسقف التي استوت بالأرض، والطرق الهشة المقطوعة في أعالي الجبال سببا في انتباهة تفك عزلةً طالت، وتقتلع جذور الجهل والفساد لتُخرج حيا من ميتٍ مثلما تفجرت في موضع الزلزال عيون الماء.
لأرواح الضحايا الطاهرة الرحمة، ولذكراهم المجيدة الخلود.