
صورة: أرشيف
منذ أساطير التأسيس الأولى، مرورا بحضارات متعددة استوطنتها أو غزتها، وصولا إلى حقبة إقرار وضعها منطقة دولية بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912، سرد الباحث كريم بنزاكور، بمتحف المفوضية الأمريكية بطنجة، تاريخا طويلا حيكَ بمدينة طنجة.
واقترح المتحدث “صيغة من صيغ التاريخ”، قائلا: “لطنجة خصوصية ارتباط تأسيسها بأسطورة، من رواياتها أن ملك ليبيا كان ابن إلهي الماء والأرض، وانتصر دائما، إلى أن هزمه هرقل الروماني، وقتله وتزوج تِنجيس، التي كان ابنها صوفاكس مؤسس طنجة”.
وفسر المحاضر جذب طنجة “حضارات متعددة عبر التاريخ”، بـ”وضعها الجغرافي الاستراتيجي”، مستحضرا “شهادة شخص عاش في طنجة سنة 1664، يورده نص مجهول مثير للاهتمام في مكتبة مدريد، اشتغلت عليه الباحثة شانتال دولافيرون، يقول إن طنجة المكان الوحيد الذي نرى فيه الأطلسي والمتوسط، أوروبا وإفريقيا (…) إلى درجة ألّا سفينة تستطيع عبور المضيق دون موقعتها من طنجة”.
وتابع المتدخل: “وجدت طنجة قطعا قبل المرحلة الفينيقية، لكن في الألفية الأولى قبل ميلاد المسيح حطوا في ضفتي جبل طارق، مؤسسين قادس بإسبانيا، وليكسوس بالعرائش المغربية، ومن المرجح جدا أن يكونوا قد أسسوا أو احتلوا طنجة، ولا يقين تاريخيا في هذا”.
وواصل: “في النصوص الأولى التاريخية والجغرافية الإغريقية والرومانية، وهيكاتي دوميلي في السادس قبل الميلاد في أطلسه تظهر طنجة. مع العلم أنه يُذكَر هذا المصدر، ولو أنه أعيد بناؤه 12 قرنا بعد وفاته”.
أما في “الحقبة البونيقية الموريطَنِيّة”، فيقول المتحدث إن “القرطاجيين كانوا تجارا مثل الفينيقيين، إلا أنهم لم يسعوا إلى السيطرة العسكرية على شمال إفريقيا، بل للهيمنة الثقافية والتجارية، وجعلوا من السكان المحليين شركاء، مع الموريين، في شمال إفريقيا التي كانت مقسمة إلى ممالك”.
ثم استرسل متحدثا عن “السيطرة الرومانية بعد سقوط الحضارة القرطاجية، والملوك الأمازيغ الذين سقطوا تحت سيطرة الرومان شيئا فشيئا وتوجهت التجارة إلى روما بدل قرطاج”، وأهمية ميناء المدينة الذي كانت تمر عبره السلع إلى روما، من زيت، وسمك مملح، وتوابل، وحيوانات للسيرك من أسود ونمور.
وأبرز بنزاكور أن خصوصية طنجة في أنها “كانت محتلة بشكل شبه دائم”.
وتحدث عن “بداية المسيحية بطنجة، في مطلع القرن الرابع، مع الرومان”، وتأويله لوجود طرق “ديكامانوس ماكسيموس” كأثر للفترة الرومانية في تصميم معالم بالمدينة.
واكتفى المحاضر بذكر حضارات وقوى أجنبية يمكن أن تكون قد حطت الرحال بطنجة، دون حسم تاريخي، مثل الوندال، والبيزنطيين، وبعض برابرة ألمانيا.
وفي فترة دخول الإسلام، فصل المتدخل في وصول عقبة سنة 681 إلى سبتة، واتفاقه مع كونطِ مسيحي أمازيغي ممثل للإمبراطورية البيزنطية، ساعد فيما بعد طارق بن زياد، حاكم طنجة الأمازيغي، في غزو إسبانيا، بمساعدة 12 ألف أمازيغي.
وتطرقت المحاضرة إلى “الثورة الأمازيغية” ضد والي طنجة بسبب تمييزه بين المسلمين الأمازيغ وباقي المسلمين، التي ستصل إلى “إفريقية” كلها، وهي الاسم الأُموي لشمال إفريقيا، مما سيشجع على “وجود دول متعددة، بعد فوضى كبيرة”.
وبعد تفصيل في السلالات الإسلامية المغربية التي حكمت طنجة، تحدثت المحاضر عن أولى محاولات الاحتلال البرتغالي، الذي استمر قرنين، ثم الإنجليزي الذي استمر 23 سنة، مع “هجومات مغربية دائما، وعدم أمن، رغم طموحات الملكية الإنجليزية للمدينة، وهي هجومات من بين من قام بها الزعيم القبَلي المسمى الخضير غيلان، وهزمهم”.
كما ورد ذكر السلطان مولاي إسماعيل، والجيش الريفي (من الريف المغربي)، الذي جيّشه لاستعادة الأقاليم الشمالية المحتلة، وهكذا “بعدما ترك الإنجليز طنجة، أخذوا مدينة جبل طارق، وستظلان مرتبطتين بالتبادل التجاري، والعلاقات مع الباشاوات والتجار”.
أما في عهد السلطان محمد الثالث، فقد صارت طنجة عاصمة دبلوماسية في 1777، ولو أن “هذا ليس التاريخ الدقيق”، ولكن “في عهد السلطان مولاي سليمان، الذي كان منغلقا دبلوماسيا، انحطّت تجارة طنجة، لكنه هو من أنهى استعباد المسيحيين بعدما بدأ أبوه في ذلك، وهو من منح الحكومة الأمريكية مبنى بطنجة صار أقدم قنصلية لها عالمية، وهو مكان محاضرة اليوم”.
وفي عهد السلطان عبد الرحمان تجددت التجارة، لكن “عندما ساندَ الأميرَ عبد القادر الجزائري، هاجمت فرنسا المغرب، وفي إيسلي 1844 ألقت القنابل على طنجة”.
وعرج المحاضر على أحداث متعددة شهدتها المدينة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، من بينها تأسيسُ أول بنك بالمغرب بطنجة، ودار النيابة في 1845، ومقر نائب السلطان، وفرضُ الانفتاح الاستثماري، وتأسيسُ خمسة أنواع من البريد: إنجليزيّ ومغربي وإسباني وألماني وفرنسي، مع مشهد صحافي غني، وأول شبكة للهاتف بالبلاد 7 سنوات بعدما اخترعه غراهام بيل، وانطلاق السياحة، قبل أن تنص “معاهدة الحماية” بفاس على “وضع طنجة الدولي”، لتؤكد إسبانيا ذلك بدورها بعد فرنسا والمغرب.