حزب العدالة والتنمية جاء شيئا فريّا

حزب العدالة والتنمية جاء شيئا فريّا
إيمان البركة الجمعة 17 مارس 2023 - 20:03

في صحوة الموت السياسي لحزب العدالة والتنمية، يكابد أمينه العام عناء إنقاذ ما تبقى من طيف مصداقيته أمام الشعب المغربي، خصوصا بعدما وقّع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق، على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل ناهيك عن تقنين القنب الهندي؛ وهما أمران من محرّمات حزب العدالة والتنمية، استباحهما الأمين العام السابق نظرا لعلو مصالح الدولة على توجهات أحادية لحزب سياسي. فبعد استبعاد سعد الدين العثماني من الأمانة العامة وإعادة انتخاب عبد الإله بنكيران، يحاول الحزب كتابة صفحة جديدة من مساره السياسي؛ لكن ذلك لن يعطي أثرا فعليا، لأنهم يكتبون بحبرهم القديم.

للتعليق على بيان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية الذي استوجب ردا من الديوان الملكي، تنبغي أولا الإحاطة بالسياق السياسي الذي جاء فيه البيان والذي يتمثل في الأزمة مع فرنسا والبرلمان الأوروبي، بالإضافة إلى اقتراب موعد انعقاد قمة النقب. وقد ورد في البيان: “تستهجن الأمانة العامة المواقف الأخيرة لوزير الخارجية الذي يبدو فيها وكأنه يدافع عن الكيان الصهيوني في بعض اللقاءات الإفريقية والأوروبية”. وأشار البيان هنا إلى تصريح السيد ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية، خلال استقباله للسيد أوليفر فاريلي، المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار والتوسع، حين أكد على ضرورة تطوير تعاون ثلاثي إقليمي بين المغرب والمفوضية الأوروبية وإسرائيل. إن استحضار السيد بوريطة إسرائيل بكونها “العنصر المكمل” للتعاون بين المغرب والمفوضية الأوربية لا يعتبر في حقيقة الأمر دفاعا عن إسرائيل؛ بل هو رد دبلوماسي على القوى الأوروبية التي تريد تفكيك التعاون المغربي الإسرائيلي الذي ينتج عنه تطوير الخدمات العسكرية والأمنية. وبالتالي، سوف يصعب على أوروبا السيطرة على المنطقة المغاربية، من خلال خلق حلقات صراع في الجوار وإخضاع المغرب وابتزازه اقتصاديا وسياسيا؛ وهو الأمر الذي دافع عنه بلاغ الديوان الملكي، حيث جاء في فقرته الثالثة: “إن العلاقات الدولية للمملكة لا يمكن أن تكون موضوع ابتزاز من أي كان ولأي اعتبار، لاسيما في هذه الظرفية الدولية المعقدة. ومن هنا، فإن استغلال السياسة الخارجية للمملكة في أجندة حزبية داخلية يشكل سابقة خطيرة ومرفوضة”. وهذه تعتبر رسالة إلى أية جهة خارجية تريد أن تملي على المغرب توجهاته الإستراتيجية، وأيضا إلى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي تطاول على اختصاصات الملك فيما يخص توجيه السياسة الخارجية، كما ينصّ عليها الدستور المغربي في فصله 42: “الملك رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها”.

فالسياسة الخارجية بشكل عام لا تجمع الصفات المكوّنة للسياسات العمومية؛ لأنها لا تستجيب لمذكرة السلطات العامة، بل تتأثر بالتدخلات الخارجية، خاصة أن الساحة الدولية تتميز بالتقلّبات السريعة وقد تكون أحيانا راديكالية. لذلك، يجب أن يبقى مجال السياسة الخارجية محفوظا للملك الضامن لدوام الدولة واستمرارها؛ فلا يكمن للسياسة الخارجية للبلاد أن تتأرجح بين مختلف المرجعيات الحزبية، وإلا ستفقد الدولة رصانة مواقفها السياسية أمام المجتمع الدولي. وهو ما يفسر، مثلا، ثبات الموقف الأمريكي على مغربية الصحراء؛ لأنه موقف يمثل الولايات المتحدة الأمريكية وليس حكومة الرئيس السابق دونالد ترامب.

وبالرجوع إلى بيان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، نجد أن اللغم المركزي الذي يحمله هو ربط علاقة المغرب وإسرائيل بالوضع الإنساني الذي يعانيه الفلسطينيون، والأسوء من هذا هو تقليص مجهودات المملكة المغربية تجاه القضية الفلسطينية. وهو موقف ينم عن محدودية الأمانة العامة للحزب في الإلمام بالشؤون الدولية. فإذا رجعنا إلى رسالة الملك محمد السادس التي وجهها مؤخرا إلى المشاركين في المؤتمر رفيع المستوى لدعم مدينة القدس، نجد أن الملك أكد على دعم القضية الفلسطينية بشكل عام، والقدس بشكل خاص. بالإضافة إلى ذلك أكد الملك محمد السادس على أن المملكة المغربية ستواصل جهودها مستثمرة كل إمكانياتها، والعلاقات المتميزة التي تجمعها بكل الأطراف والقوى الدولية الفاعلة، من أجل المساهمة في أي جهد دولي يهدف إلى إعادة إطلاق مسار الحوار والمفاوضات، باعتبار ذلك السبيل الوحيد لوضع حد للنزاع، وتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء بمنطقة الشرق الأوسط”.

فالمغرب استثمر في فتحه للحوار السياسي مع إسرائيل لِما فيه خير للشعب الفلسطيني، وأفضل دليل على هذا هو مساهمة الملك محمد السادس في رفع الحصار عن الضفة الغربية من خلال وساطة مباشرة، حيث قررت السلطات الإسرائيلية فتح المركز الحدودي اللنبي الذي يربط الضفة الغربية بالأردن والذي يشكل المنفذ الوحيد للفلسطينيين على العالم.

وبالتالي، فالعلاقة التي تربط المغرب وإسرائيل تنقسم إلى ثلاثة أهداف: الأول هو أن المغرب له إرث ثقافي يهودي وجالية يهودية لا يمكنه أن يتخلى عنها، وعُرف ذلك منذ عهد الملك الراحل محمد الخامس الذي وقف في وجه نظام فيشي الفرنسي، حيث أخبره أن “اليهود المغاربة جزء من رعاياي، ومن واجبي أن أحميهم ضد كل اعتداء”. والهدف الثاني هو الذي يفرضه الواقع الاستراتيجي المتمثل في العداء المستمر للجزائر على المغرب واستعانتها بقوى أجنبية لتهديد وحدته الوطنية ومحاولة فرض حصار إقليمي على المغرب. هنا يستفيد المغرب من الشراكة مع إسرائيل من خلال تطوير خدماته العسكرية والأمنية. ويكمن الهدف الثالث في خلق حوار ومفاوضات من أجل الحفاظ على الطابع الحضاري الإسلامي لمدينة القدس ومساندة الشعب الفلسطيني في قضيته التي رفعها الملك محمد السادس إلى مستوى قضيتنا الوطنية.

في النهاية، القضية الفلسطينية لم تعد تحتمل التنديدات “السياسوية” والاجتماعات المغلقة لمختلف الجمعيات والأحزاب، والتي إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ لهشاشة النتائج الفعلية؛ فالانخراط في حوار واقعي سيكون أكثر فعالية وتأثيرا من حماسة الشعارات وبيانات على ورق. وتبقى العبرة من صدور بيان الأمانة العامة والرد عليه من قبل الديوان الملكي هي أن المغرب قطع مسارا مهمّا في المجال الديمقراطي وتأسيس الحوار؛ وهو ما يجعل من المؤسسة الملكية مؤسسة مواطِنة قريبة من الشعب عبر الانخراط في الرأي العام المجتمعي، وهو شأن ديمقراطي صحّي.

(*) باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اشترك في النشرة البريدية لتصلك آخر الأخبار
Loading...
Loading...
Loading...
تعليقات الزوار 0
اخر الأخبار
صوة وصورة