
صورة: مواقع التواصل الاجتماعي
“بلغنجا”، أو “تاغنجة”، من الطقوس التي يقوم بها القرويون كلما انقطع المطر، وتتم في جو احتفالي اجتماعي يمزج بين الفرجة والجدية في الجانب المتعلق باستعطاف ودعوة رب السماوات أن يرسل السماء عليهم مدرارا. وتعد النساء والأطفال الفاعل الرئيسي في الإعداد لهذا الطقس وتنزيله على أرض الواقع، وينضاف إلى صلاة الاستسقاء التي تؤدى بإذن من السلطات الرسمية.
فبمجرد انقطاع المطر وتوالي شح السماء وما يسببه ذلك من حاجة متزايدة إلى الماء، خاصة في المجال الفلاحي، كانت ساكنة القرى والبوادي تشرع في التفكير في طقوس الاستسقاء، أي طلب المطر من الله، فكثرت هذه الطقوس والعادات، ومنها “بلغنجا” الذي يمارس في كل المناطق المغربية، سواء الناطقة بالأمازيغية أو ذات اللسان العربي، مع بعض الاختلافات الطفيفة التي لا تمس الجوهر.
“بلغنجا” إذن يشكل طقسا من طقوس الاستمطار وشعيرة اجتماعية من الشعائر الاستسقائية، تمارس بمغرفة (أغنجا) مكسوة بزي عروس، في موكب تشارك فيه النساء والأطفال، الذين يرددون أهازيج والأدعية، ويطوفون عبر الدواوير والقرى، ويتم تحصيل العطايا والصدقات من الأهالي وتخصص لتهيئة مأدبة “معروف”، يأكل منها الصغير والكبير وتنتهي بالدعاء إلى الله أن يرحم عباده ويسقي بهيمته ويحيي الأرض بعد موتها.
الدكتور خالد ألعيوض، أستاذ باحث في التراث، قال ضمن تصريح لهسبريس إن “بلغنجا، أو تغنجا، يعد من الطقوس التي تشهدها البادية المغربية كلما انحبس المطر، ومعروف أن هذه الطقوس تعود إلى ما قبل الإسلام، والغريب أنها استطاعت أن تصمد وتستمر لعهود طويلة؛ إذ انتشرت في عدد من البوادي والقرى المغربية إلى حدود الثمانينات من القرن الماضي، ومازالت حاضرة في بعض المناطق إلى اليوم”.
وعن كيفية إحياء هذه الطقوس، أورد ألعيوض أن “النساء يأخذن المغرفة، أي أغنجا، ثم يلبسنها لباسا نسائيا وتزين على شكل دمية كبيرة أو عروس تجوب بها النساء القرية متبوعات بالأطفال مرددين أغان أو أهازيج وأدعية لاستدرار المطر، وغالبا ما يقوم الأطفال بإفراغ الماء ورشه على النساء، حيث يرجعن وهن مبللات”.
“هو طقس احتفالي ينطوي على كثير من الفرجة بين الأطفال والنساء وينتهي دائما بإحياء حفلة صغيرة، وإلى جانبه هناك طبعا صلاة الاستسقاء بالطريقة المعروفة، حيث نجد هنا نوعا من التعايش بين نمطين، النمط الإسلامي المرتبط بصلاة الاستسقاء كلما جف الضرع ويبس الزرع وانحبس المطر، وهذا النمط من الطقوس التي بقيت حاضرة في مناطق منعزلة كالجبال وبعض الواحات”.
وختم الدكتور خالد ألعيوض تصريحه لهسبريس بالتأكيد على وجود عدد من الطقوس التي لها ارتباط بالجانب الفلاحي واستدرار المطر وطلب الغيث من الله؛ فهو “جانب ميثولوجي مرتبط بالطقوس، بعضها عريق ومازالت مستمرة وإن كان معظمها اليوم قد انقرض نتيجة التحولات التي تعرفها البادية المغربية، فهذه الأمور ينظر إليها من الجانب الأنثربولوجي والدراسي وليس من جانب المعتقد، وهي تدخل أيضا ضمن ذهنيات المجتمعات؛ إذ كلما كانت عريقة كثر فيها مثل هذه النماذج والأشكال التعبيرية والفرجوية”.